أولا: البنية وإعادة القراءة

لماذا إعادة قراءة القرآن؟ ولماذا نقترح بنية القرآن مدخلاً لهذه الاستعادة؟، سؤالان مشروعان يحفزهما ما للمصطلحين من براقة الحداثة والمعاصرة، ولما يضمرانه في الاستعمال الغالب من نزعة فلسفية ونقدية في شتى الاستعمالات، فالقراءة ستحيل إلى ما عرف بالقراءة المعاصرة للقرآن، والبنية ستحيل إلى البنيوية في سياقاتها الفلسفية واللغوية والاجتماعية، وبالتالي فإن العنوان سيبدو من الوهلة الأولى آتياً في هذا السياق.
إن طرح الأسئلة حول العنوان إن جاء ليحترز مما قد يتبادر منه فإنه لا ينفي الأثر المعرفي الذي آلت إليه مناهج البحث في دراسة القرآن الكريم بفعل تطور النظريات الفلسفية واللغوية وغيرها، وكذلك أثر التوظيف السلبي لها في دراسة القرآن الكريم، إذ أدى هذا النمط من القراءات المعاصرة إلى ميلاد وعي أعمق بمركزية القرآن في الفكر الإسلامي، ومحوريته في مشاريع النهوض والتجديد.
أما لماذا إعادة القراءة؟ سيتبادر إلى الذهن أيضاً المنحى التوظيفي، والاتكاء على التأويل المفتوح تحت شعار “حمال أوجه” وبالتالي تمرير ما يريد القارئ من القرآن أن يقوله، وعليه فمظنة البراءة لا تبدو غالبة في مشاريع إعادة قراءة القرآن، والقراءة المعاصرة، واستخدام المناهج الحديثة في دراسته.

إن تجربة المسلمين الحديثة في دراسة القرآن تبرر هذه المخاوف والتوجسات، فالعهد بدراسة القرآن هو المنحى التفسيري المعهود الذي لم يتقدم بمناهج التفسير إلا جزئياً، فالجهد انصب على إعادة الصياغة والترتيب الشكلي (تحريراً)، مع إضافات في تفسير بعض الآيات وتوجيه النظر فيها ترجيحاً أو استنباطاً ونقداً لتفاسير سابقة (تنويراً)، مع طغيان نزعة المفسر المذهبية أو الفكرية، فيما بقيت المقاربات الأخرى في دراسة القرآن تعتمد على هذا التفسير التجزيئي بدرجة كبرى كالتفسير الموضوعي الذي بقي بطيئاً في التطور ولم يتبلور منهجياً بشكل يمكن اعتباره إضافة نوعية ومستقلة، لكنه شكل نواة لتطور الدرس القرآني، وبالمقابل ظهرت نزعة ثورية انتفضت على مناهج المفسرين واستغلت ثغرات فيها وفي علوم القرآن، مدعية قراءة معاصرة للقرآن تتوسل مناهج مختلفة وأحياناً تجمع متناقضات منها، ما أدى بها إلى الخروج بخليط من الأفكار غير المنسجمة والمتناقضة أحياناً ادعيت دراسة للقرآن الكريم، مما أدى إلى زيادة الوثاقة بالمنهج التقليدي لدراسة القرآن ومرجعيته، والشك والحذر من أي مقاربة جديدة أو غير مألوفة في درس القرآن الكريم. ومما زاد هذا الحذر ما آلت إليه كثير من المقاربات تبعاً، إذ اتخذت موقفاً من السنة النبوية ومرجعيتها، فضلاً عن الموقف من التراث الإسلامي عموماً ما جعل الدراسة القرآنية غير التقليدية تهمة بذاتها.

في هذا الجو المشحون بالهواجس والشكوك التي تغيب فيها تقاليد المعرفة وأصول البحث والنقد سيبقى الدرس القرآني بين نزعتين: الأولى تأسر تطوره في أقفاص ما انتهى إليه المفسرون، وتبقي نوافذ له مما يؤكد ذلك من تطورات العصر، والنزعة الثانية تجعل الدرس القرآني كأي مقاربة لأي نص، فيخضع لتطور الدرس اللغوي والأدبي والتاريخي، ويبقى ميدان تجربة للقارئ يقرأ فيه ما يشاء.

لكن البحث العلمي الهادئ والرصين كان ولا يزال بعيداً عن هذه النزعات، وهو الكفيل بأن يحقق الإبداع في الدراسة والرصانة في المنهج والإخلاص في الهدف، فأن يكون ما وصل إليه المفسرون هو نهاية المطاف في فهم القرآن لا يمكن أن يكون منسجماً مع حقيقة أنه كتاب لا يخلق على كثرة الرد، وكونه كتاباً إلهياً لا يحيط بكلماته زمان أو مكان، “قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا” [سورة الكهف/الآية:109]، وإذا كانت دراسة القرآن لا تتجاوز ما قدمه المفسرون فهذا يعني أننا لم نقدم جديداً لفهم القرآن، ومن المعلوم أن الجديد ليس بالضرورة نقداً أو نقضاً للقديم، بل لا يمكن أن يكون هناك جديد من غير بناء على ما هو قديم ترميماً أو إعادة بناء، وبالتالي فتصور الجديد نسخة من القديم أو نقيضاً له بالضرورة تحكم غير منطقي، وتعقيم لبذور الإبداع، كما أن تصور الجديد في فهم القرآن أنه قول فيه من غير منهج منسجم هو الآخر تقول على النص لا يستحق النظر.

فإعادة دراسة القرآن تستمد مشروعيتها من طبيعة القرآن نفسه فهو نص أنزل ليقرأه كل من يدخل في خطابه، ولا يحده زمان أو مكان، كما أن ما كتبه المفسرون هو تجربة في فهم القرآن، إن كشفت عن جوانب من معانيه وأحكامه فإن جوانب أخرى ما تزال مكنونة فيه، وإن لم تتقدم مناهج المفسرين على مر العصور في كشف جوانب جديدة، فإن سؤال المنهج يبدو ملحاً والمدخل إلى دراسة القرآن يبدو مفصلياً في إمكانية إضافة جديدة في فهم النص واكتناه معانيه.

فإذا كان البحث الجديد مشروعاً فلماذا نسميه قراءة وليس تفسيراً؟ والإجابة ترجع إلى بعدين الأول أن ما سيدخل تحت اسم القراءة من دراسة يختلف عما عرف من منهج للتفسير، فالاختلاف المنهجي بحد ذاته مبرر لاختلاف المصطلح، ومن ناحية أخرى فإن تسمية القرآن بهذا الاسم تحمل دلالة للواجب نحوه وهو القراءة وهي ليست مجرد تلاوة لفظية ونطق لسان إنما تشمل التدبر والفهم، والمعنى اللغوي للقراءة كما تؤكد المعاجم هو الجمع لأي شيء، فقراءة القرآن جمع له ولا معنى لجمع النص إلا إدراك معانيه من متفرق ألفاظه المتسقة فيه، ومعنى الجمع هذا سنربطه بتعبير آخر له ارتباط بالنص القرآني هو الكتاب.

أما البنية في تعريفها الفلسفي البسيط فهي نسق عقلاني يحدد وحدة الشيء وهي القانون الذي يفسره[1]، هذان البعدان من مفهوم البنية هما ما سنستفيد منه في مقاربتنا، مع إدراكنا لذيول مفهوم البنية وتبعاته في مختلف السياقات والمذاهب، إلا أن هذا البعد الذي حددنا هو بعد حيادي يحيل إلى افتراض وجود نظام داخلي للشيء يعبر عن وحدته وكما يتضمن روابط عقلانية تفسره، ولئن كانت البنيوية كمذهب ترفض أثر أي عنصر خارجي في تفسيره، فإن مفهوم البنية إن كان يتضمن مبدأ التفسير الداخلي فإنه لا ينحصر فيه بالضرورة، لكنه يستلزم أن يكون هو الحاكم في التفسير والمنطلق.

وبالتأمل في القرآن يمكننا أن نجد فيه مفهوم البنية كأفضل مثل لها، فهو نسق واحد مترابط ترابطاً عقلانياً تعبر عنه روابط كثيرة بين آياته وسوره، وكمنطلق في الإسلام فإن للقرآن هيمنة مطلقة على ما دونه من نصوص، وأدق ما يمكن أن يكشف هذه الهيمنة هو بنية القرآن كنظام محكم، من هذا المنطلق يأتي اختيارنا لتعبير البنية كمدخل للقراءة.

ثانياً: جذور وعي القدماء ببنية النص القرآني

نزل القرآن الكريم بلغة عربية، وكان العرب والمسلمون يتلقون القرآن ويفهمون معانيه بما يمتلكونه من فصاحة وبلاغة، ويدل وصفهم للقرآن على وعيهم به كنص يعبر عن بنية متكاملة، نجد ذلك في وصف المشركين للقرآن جملة بأنه سحر، وهو وصف ينسحب على مجمل ما سمعوه من القرآن ككل، وكذلك تعبير الوليد بن المغيرة واصفاً القرآن بقوله: “إن لقوله حلاوة وإن عليه طلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلو ولا يعلى”[2]، وهذه الأوصاف لا تتأتى إلا من خلال النظر إلى القرآن بمجمله لا بأجزاء منه، ووصف السيدة عائشة رضي الله عنها أخلاق الرسول عندما سئلت عنها قائلة: “كان خلقه القرآن” وربطت ذلك بتفسير قول الله عز وجل “وإنك لعلى خلق عظيم”[3]، وكأنها تعبر عن فهم عميق لتمثل الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن كجملة متكاملة.

وبعد عصر رسول الله صبى الله عليه وسلم كان الصحابة بما تلقوه من علم عن الرسول وبما يمتلكونه من معرفة بلغة العرب يفسرون كتاب الله قدر طاقتهم، ولم يُفَسَّر القرآن جميعه، وإنما فُسِّر بعض منه، وهو ما غمض فهمه، فكان التفسير يتزايد تبعاً لتزايد الغموض، وكان واضحاً أنهم كانوا يفهمون القرآن جملة واحدة، يؤشر على ذلك قِلَّة الاختلاف بينهم في فهم معانيه، واكتفاؤهم بالمعنى الإجمالي، وكانوا لا يُلزمون أنفسهم بتفهم معانيه تفصيلاً.

وفي عهد التابعين غلب على التفسير نزعة طلب الرواية لتوظيفها في التفسير فسادت الإسرائيليات وحذفت الأسانيد التي قل فيها الصحيح، وأصبح البحث عن معاني القرآن من خارجه، من خلال الروايات بالخصوص، فجاء عصر التدوين تالياً وولد علم التفسير المدون وهو مثقل بالإسرائيليات والروايات المشكوك فيها، حتى إن أقدم تفسير مدون وصل إلينا تفسير مقاتل (150هـ) يعتبر الأنموذج للروايات الدخيلة في علم التفسير، وتلا ذلك نشأة مدارس التفسير المأثور والتفسير بالرأي والتفسير الفقهي… واستمر التفسير إلى عهدنا يتطور ويتكرر بنفس المنهجية التحليلية التي تتعامل مع القرآن كأجزاء وسور تفسر واحدة تلو الأخرى، مع تفاوت في العمق ومنزع التحليل، إذا فالنمط الغالب على منهجية التفسير هي التجزيء والبحث في المفردات والألفاظ، والاستنباط الفقهي والتفريع الدلالي لكل آية وما تتضمنه من معنى، وهذه المنهجية لا تكشف عن جوانب كلية في القرآن، بل حتى حول ما له صلة بالآية المدروسة لما للنظرة الكلية من أثر في اكتشاف البيان القرآني حول المسألة.

وبموازاة هذه المنهجية التحليلية كانت هناك محاولات أخرى فردية تتجه إلى دراسة القرآن من زاوية أخرى هي الرؤية الشاملة والكلية للقرآن الكريم، بدأ ذلك من منطلق الدفاع عن القرآن والبحث في إعجازه، وأول ما ظهر مع المعتزلة الذين اهتموا بمواضيع القرآن نظراً لاستنادهم إلى النص القرآني في احتجاجهم ودفاعهم.

فظهرت مع الجاحظ أولى تلك المحاولات، حيث تتبع في كتابه الحيوان ذكر النار في القرآن[4]، كما كان الجاحظ من أوائل من تنبه إلى أهمية دراسة القرآن من حيث أسلوبه ونظمه، ومع القاضي عبد الجبار تتبلور نظرية النظم التي تعتبر أهم وجه من وجوه الإعجاز، وتمثل منطلقاً مهماً للرؤية الكلية للقرآن، إذ تركز على النسق والروابط بين الكلام كما يقول الجرجاني “ليس النظم سوى تعليق الكلم بعضها ببعض، وجعل بعضها بسبب بعض”[5]، وقد أشار الشاطبي إلى ضرورة اعتبار الجزئي والكلي في النظر للسورة القرآنية فيرى أن النظر في السورة له اعتباران، الأول من جهة تعدد قضاياها، والاعتبار الثاني من جهة النظم، فلا بد من النظر في أول الكلام وآخره بحسب الاعتبار، فاعتبار جهة النظم لا يتم به فائدة إلا بعد استيفاء جميع السورة بالنظر[6]، فكانت نظرية النظم من التنظيرات المبكرة للنظر الكلي إلى القرآن بالتركيز على الأنساق والروابط بين أجزاء النص وتراكيبه.

في سياق آخر نجد محاولة ثانية ومبكرة أيضاً هي النظر إلى أجزاء من النص تشكل شبكة من المفاتيح لفهمه وربط المعنى بين مختلف أجزائه، نلحظ ذلك من خلال علم الوجوه والنظائر في القرآن الكريم، والذي يُعنى بالألفاظ القرآنية المستخدمة على أكثر من وجه، وهو علم لصيق بعلوم العربية لكنه منحصر في السياق القرآني وتعود جذوره إلى القرن الثاني الهجري، وإن كان يبدو علماً يركز على الألفاظ والمفردات فإنه في جوهره يكشف عن جوانب من بنية النص القرآني، لاسيما محاولات اكتشاف الروابط بين مختلف هذه الوجوه والنظائر، يبرز ذلك في تأويل النظائر بالاعتماد على اللغة لا المأثور، وإرجاعها إلى أصل واحد، نجد ذلك عند الحكيم الترمذي في كتابه “تحصيل نظائر القرآن” إذ ينفي فيه تعدد المعاني، لوجود علاقة واضحة بينها جميعاً، وحاول الترمذي تطبيق نظريته على إحدى وثمانين لفظاً[7]، وبهذا الرابط بين النظائر المتعددة في النص القرآني الذي أشار إليها الحكيم الترمذي يتم اكتشاف جانب من شبكة المعاني المنثورة في بنية النص، وهي ما يمكن اعتبارها كلمات مفتاحية لفهم بنية النص كالذي عرف في المناهج اللغوية الحديثة… وقريب من مقاربات الوجوه والنظائر ما عرف بعلم الغريب، حيث كانت بعض المؤلفات فيه كمفردات الراغب الأصفهاني تكشف عن ربط بين مختلف الألفاظ المنثورة في القرآن، وهو ربط يشبك المعنى بين مختلف السور، وقد تطورت دراسات المفردات القرآنية عموماً، وأصبحت مدخلاً جديداً لفهم بنية النص، وأفردت بالبحث، وظهرت العناية بفكرة المصطلح القرآني[8]، والهاجس فيها هو الوعي بأهمية اكتشاف المعنى في القرآن من خلال بنيته.

ثالثاً: الوعي الحديث بأهمية بنية القرآن

يمكن أن نسجل محطات مهمة في وعي المحدثين من الباحثين في الدراسات القرآنية بأهمية بنية القرآن كمدخل لدراسته، ويمكن أن نسجل منها بالخصوص المحطات التالية:

1. الوحدة الموضوعية والتفسير الموضوعي

ظهر حديثاً ما يسمى بالوحدة الموضوعية في القرآن الكريم[9]، وهي فكرة قديمة تجد جذورها عند الجاحظ، لكنها استحضرت مؤخراً كمنطلق لما غدا يعرف بالتفسير الموضوعي، الذي يسعى إلى تتبع موضوع ما في جميع القرآن، أو اكتشاف موضوع يشكل رابطاً لكل سورة بمفردها، وفي هذا المنحى في الدراسة إدراك لأهمية النظرة الكلية للقرآن واكتشاف المعنى من مجمله لا من أجزائه، لكن معظم المحاولات في التفسير الموضوعي لم تحقق الهدف إذ انطلقت من الجزء إلى الكل من خلال تجميع ما ورد في التفسير التحليلي وتركيبه بما هو عليه، فلم تختلف إلا صورة البحث وقالبه فقط ومكمن ذلك افتقارها إلى المنهجية الشمولية المنضبطة[10].

2. الكلمات المفتاحية والرؤية القرآنية للعالم

أسهم المستشرقون بجهد مهم في الدراسات القرآنية وتركوا آثاراً متعددة، لكن الخلفية الاستشراقية حالت دون إسهام عدتهم المنهجية في تقديم نقلة نوعية في فهم القرآن ودراسته، إذ ظلت في إطار تفسير الظاهرة القرآنية وإرجاعها إلى تراث كتابي أو تأويل تاريخي أو تفكيكها من الداخل، ولم تتميز معظم الدراسات الاستشراقية بالجدية والصرامة المنهجية التي يمكنها التأثير في فهم القرآن، لكننا نجد استثناء مع الباحث الياباني توشيهكو إيزوتسو Toshihiko Izutsu (مختار)، بعد إسلامه، الذي قدم تجربة متميزة في دراسة القرآن دراسة دلالية، حاول من خلالها اكتشاف الرؤية القرآنية للعالم، وكان المنطلق واضحاً في عمله وهو التعامل مع القرآن كبنية متكاملة، والبحث فيه من خلال الكلمات المفتاحية لاكتشاف محتوى هذا النص، فحاول في كتابه “الله والإنسان في القرآن: دراسة دلالية لنظرة القرآن إلى العالم”[11] تطبيق علم الدلالة، وحاول اكتشاف النظام المفهوميّ الذي يعمل في القرآن، فتعامل مع المفهومات الفرديّة كجزء من البناء العامّ، أو البنية المتكاملة Gestalt التي اندمجت فيها. ويوضح في مقدمة كتابه أنّ التعابير المفتاحيّة التي تؤدّي وظيفة حاسمة في صياغة نظرة القرآن إلى العالم بما فيها اسمُ “الله” تعالى، ليس منها ما كان جديدًا ومبتكرًا، بل كانت كلّها تقريبًا مستخدمةً قبْل الإسلام. وعندما شرع الوحْيُ الإسلاميّ باستخدامها كان النظامُ كلُّه، أي السّياقُ العامُّ الذي استُخدمت فيه، هو الذي صدم مشركي مكّة بوصفه شيئًا غريبًا وغير مألوف وغير مقبول، تبعًا لذلك، وليس الكلمات الفرديّة والمفهومات نفسها. ويقول ههنا: “الكلماتُ نفسُها كانت متداولةً في القرن السّابع [الميلاديّ]، إن لم يكن ضمن الحدود الضيّقة لمجتمع مكّة التجاريّ، فعلى الأقلّ في واحدة من الدّوائر الدّينيّة في جزيرة العرب؛ ماجدّ هو فقط أنّه دخلت أنظمةٌ مفهوميّة مختلفة. والإسلامُ جمعَها، دمجَها جميعًا في شبكةٍ مفهوميّة جديدة تمامًا ومجهولة حتّى الآن”[12].

إن تجربة إيزوتسو قدمت إضافة نوعية في الدراسات القرآنية من جهة إعطائها نموذجاً تطبيقياً لدراسة بنية القرآن المتكاملة، وكيفية استثمارها في توضيح الرؤية القرآنية للقضايا المركزية التي تحدث عنها، وهي منهجية استثمرت علوم اللغة القديمة والحديثة بطريقة أمينة لا تستهدف التوظيف الاستشراقي المعهود، إنما قادت دراسته إلى نتائج محكمة تؤكد تماسك القرآن وانسجام بنيته، ويقدم إيزوتسو بتجربته المنهجية وما استخدمه من أدوات في تحليل بنية القرآن، وإن لم تكن كلها جديدة أو مبتكرة، إضافة نوعية في الدراسات القرآنية يمكن تطويرها والبناء عليها تنظيراً وتطبيقاً، ويمكنها أن تقدم جديداً في قراءة القرآن وفهم معانيه واكتشاف جوانب جديدة من إعجازه، ومربط الإبداع في عمله الانطلاق من بنية القرآن كمدخل للقراءة.

الوحدة البنائية للقرآن المجيد

في إطار الجهود الحديثة المدركة لأهمية بنية القرآن نجد تأصيل الدكتور طه جابر العلواني للموضوع تحت عنوان “الوحدة البنائية للقرآن المجيد” والتي يقصد بها “أن القرآن المجيد واحد لا يقبل بناؤه وإحكام آياته التعدّد فيه أو التجزئة في آياته، أو التعضية بحيث يقبل بعضه، ويرفض بعضه الآخر، فهو بمثابة الكلمة الواحدة أو الجملة الواحدة أو الآية الواحدة، وإذا كانت قد تعددت آياته وسوره وأجزاؤه وأحزابه؛ فذلك التعدد ضرورة لا غنى عنها في التعليم والتعلّم، والتنزيل لتغيير الواقع وإبداله. فلم يكن في مقدور الإنسان أن يستوعب قرآنا يتصف بكل صفات القرآن ويأخذه الإنسان أو يتبناه بوصفه ذا وحدة بنائية لا تختلف عن وحدة الكلمة في حروفها، ووحدة الجملة في كلماتها وأركانها، ووحدة الإنسان في أعضائه”[13]، ويعتبر أن معنى أي آية لن يستقيم ويتضح ما لم تقرأ في سياقها وموقعها وبيئتها وكذلك بإدراك سائر العلاقات بين الآية والقرآن كله[14]، ويتتبع الدكتور العلواني جذور الوعي بمسألة بنائية القرآن فيرجعها إلى البلاغيين ومسألة النظم، والقول بوحدة السورة، وينقد القراءة التجزيئية للقرآن، والتي لا تلحظ الروابط بين كل آية والقرآن ككل، وفيما قدمه الدكتور العلواني دعوة واضحة إلى النظرة الشاملة للقرآن والتعامل معه كبنية واحدة، لكن القارئ كان ينتظر من مقاربة “الوحدة البنائية” أن تقدم نموذجاً تحليلياً وأدوات منهجية للموضوع، وقد قدم الدكتور العلواني مثالاً للوحدة البنائية في السورة التي سلم بها جمهور المعنيين بالدراسات القرآنية، وما قدمه من أمثلة سبق إليه الشاطبي[15] من المتقدمين ومحمد عبد الله دراز من المتأخرين[16].

المفردة القرآنية كأداة لتحليل الخطاب

من المقاربات المهمة في دراسة القرآن من مدخل بنيته دراسة المفردة القرآنية كأداة لتحليل الخطاب، وقد حظي هذا الموضوع باهتمام خاص وتأصيل منهجي في دراسة الصديق الأستاذ عبد الرحمن الحاج الذي قدم أطروحة متميزة بعنوان: “دلالة المفردة القرآنية: دراسة لسانية أصولية مقارنة”[17] حاول فيها تتبع المنظور الأصولي واللغوي ومقارنته بالمنهج اللساني الحديث في مقاربة المفردة القرآنية، وقد جمع في دراسته بين التنظير ومحاولة التطبيق الجزئي التي قادته إلى اكتشاف ما أسماه “المركز المفهومي” الذي يدور الخطاب القرآني حوله، و”المحور التركيبي” لكل سورة وللقرآن ككل، وبالعموم فإن دراسته تمثل مدخلاً مهماً لتطوير منهجية البحث في الدراسات القرآنية، ومن مدخل بنية القرآن بشكل أساسي.

رابعاً: بنية القرآن (كلمات وكتاب)

إن أهم ما في البنية أنها نسق عقلاني يحدد وحدة الشيء وهي القانون الذي يفسره، والنسق العقلاني يكتشف من خلال مفردات البنية وأجزائها والقانون الذي يفسرها هو الروابط والعلاقات بين الأجزاء، وبهذا المعنى فإن النص القرآني كما أشرت يمثل نموذجاً لهذا المعنى، بل إن القرآن نفسه يشير إلى ضرورة اكتشافه من خلال هذه الزاوية، فسياق حديث القرآن عن الكلمات والكتاب يشير إلى انتظام القرآن كبنية متكاملة ونظام واحد.

فتأتي كلمات الله[18] على صورتين تكوينية تتمثل بالكون والأشياء، وتكليفية تتمثل بالنصوص المتضمنة للتعاليم الإلهية، فالكلمات هي أجزاء الكون وأجزاء النص، وهي قابلة للقراءة والمعاينة والفهم والاعتبار، فالكون المخلوق أثر بارز قد أُمر الإنسان بتدبره والنظر فيه، وكذلك كلمات الله الأخرى التي وصفها الله بأنها لا تنفد ولو نفدت طاقة الإنسان في قراءتها وملاحظة قوانينها وسننها، وهذه المقابلة بين كلمات القرآن وكلمات الكون لها دلالتها على الانتظام والدقة، وكون هذه الأجزاء دالة على كل تنضوي فيه ويمكن للمتأمل فيها أن يصل إلى تلمس جوانب هذا الكل.

وكلمات الله التكليفية باجتماعها تشكل الكتاب، وكلماته التكوينية باجتماعها تشكل الكون، وهذا تناظر آخر بين الكتاب (القرآن) والكتاب (الكون) المأمور بقراءتهما، وينتظم مفهوم الكتاب في القرآن (بمعناه غير اللغوي) ضمن محورين متكاملين: الكتاب الإلهي المنزل على الرسل، والكتاب الإلهي المحيط بالكون وقد سمي بأم الكتاب واللوح المحفوظ، ودلالة هذا الكتاب رمزية تحيل على النظام الوجودي والسنن الإلهية التي تحكم الكون وتسيره[19].

وفي تسمية القرآن بالكتاب دلالة على مفهوم البنية الذي أشرنا إليه، فكل ما ذكر في الكتاب من معان لغوية قريب بعضه من بعض وهو الجمع بين شيئين أو أكثر، فالكتاب هو المجموع من الحروف والكلمات الدالة على مقصود كاتبها، ويستلزم ذلك معنى لازماً له وهو الخط الذي تجمع من خلاله الحروف والكلمات، وبالتالي فالكتاب يشتمل على معنيين هما الجمع مع الانتظام، وهما ما نلحظه في كتاب القرآن وكتاب الكون، فرمز بالكتاب إلى النظام الوجودي الذي يسير الكون الذي خلقه الله وفق سنن ثابتة، فعُبِّر عنه بالكتاب لكون مفردات الكون تجتمع كلها لتشكل وحدة كما تجتمع الحروف والكلمات لتشكل كتاباً، فالمخلوقات تجتمع وتنتظم بالقانون الإلهي كما تجتمع الحروف والكلمات بالسطر الحامل للمعنى لتشكل كتاباً.

فالجمع بين الأجزاء من خلال نظام معين هو البنية التي ينبغي الانتباه إليها وفهمها، وقد أشار القرآن إلى الأجزاء (سماها الكلمات) وإلى حصيلة اجتماعها (سماها الكتاب) ومنها ما هو نصي تكليفي ومنها ما هو كوني، ومهمة الإنسان تجاهها هي القراءة، وبالتالي اكتشاف الكل من خلال أجزائه والجزء من خلال الكل، وهذا معنى اكتشاف القرآن من خلال مفرداته وفهم مفرداته من خلال مجموعه، وكذلك فهم الكون من خلال الذرة وفهم الذرة من خلال النظام الكوني، في تقابل محكم بين بنيتين تقودان إلى التعرف على الخالق وما أودعه من سنن تشريعية وتكوينية.

أخيراً…

إن اكتشاف إحكام آيات القرآن وتفصيلها يتضح أجلى وضوح من خلال الدرس البنيوي للقرآن الذي لا يفصل بين أجزائه وبين كليته، ولئن أدرك دارسو القرآن الكريم جوانب من ذلك، فإن التأصيل المنهجي لهذا الجانب لا يزال ضعيفاً، ولم يستثمر كما ينبغي، هذا فضلاً عن قلة الجانب التطبيقي الذي يعتبر أساسياً في بناء المنهج واختباره، وإن الحاجة لمحلة لإحياء الوعي بأهمية بنية القرآن كمدخل لإعادة القراءة، كونها تفتح أفقاً للإبداع في فهم القرآن وتدبر معانيه، كما أن هذه الحاجة تتأكد لتفعيل مكانة القرآن في التشريع؛ أعني حاكميته على غيره من النصوص، والانطلاق منه كمصدر للتشريع.

الهوامش

1. انظر: الموسوعة الفلسفية، ط: 1، معهد الإنماء العربي 1986، 1/198. 2. انظر: ابن الجوزي، زاد المسير في علم التفسير، ط: 3، المكتب الإسلامي–بيروت، 8/403. 3. انظر: مسند الإمام أحمد بن حنبل، ط: مؤسسة قرطبة–القاهرة، 6/91. 4. يرجع الباحثون إلى الجاحظ جذور التفسير الموضوعي، انظر: سامر عبد الرحمن رشواني، منهج التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، (رسالة ماجستير-جامعة القاهرة 1423هـ-2002م ) ستصدر قريباً عن دار الملتقى بحلب. 5. عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، المقدمة، صفحة: ق، تحقيق :رشيد رضا، ط: دار المعرفة-بيروت 1978. 6. انظر: الشاطبي، الموافقات، ط: دار المعرفة-بيروت 1975، 4/415. 7. انظر: سلوى محمد العوا، الوجوه والنظائر في القرآن الكريم، القاهرة: دار الشروق، ط: 1/1998م، ص: 23، وحول علم الوجوه والنظائر انظر: هند شلبي، مقدمة تحقيقها لكتاب التصاريف ليحيى بن سلام. تونس: الشركة التونسية للتوزيع، 1980م. 8. انظر: عبد الرحمن حللي، المفاهيم والمصطلحات القرآنية: مقاربة منهجية، مجلة إسلامية المعرفة، العدد: 35، شتاء 2004. 9. الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم عنوان كتاب أصله أطروحة دكتوراه قدمها محمد محمود حجازي في أصول الدين بالأزهر سنة 1967، وكانت أول دراسة متخصصة تعالج أحد الأسس التي يستند إليها التفسير الموضوعي، وهو مفهوم الوحدة، واستطاع أن يقدم عدداً من الدراسات التطبيقية التي تؤكد مفهوم الوحدة وتدعمه، إن على مستوى القرآن أو على مستوى السورة. 10. انظر حول التفسير الموضوعي: زياد خليل محمد الدغامين، منهجية البحث في التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، عمان: دار البشير، ط:1/1995م، سامر عبد الرحمن رشواني، منهج التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، م.س. 11. صدر كتاب إيزوتسو Izutsu لأول مرة عام 1964 وعنوانه: God And Man In The Koran: Semantics of The Koranic Weltanschauung ، عن معهد كيو للدراسات الثقافية واللغوية في طوكيو، وقد ترجم ترجمة متميزة من قبل الأستاذ الدكتور عيسى العاكوب الأستاذ في كلية الآداب بجامعة حلب، وصدرت عن دار الملتقى بحلب عام 2007، كما صدرت للكتاب ترجمة أخرى في نفس العام عن المنظمة العربية للترجمة ببيروت أعدها الدكتور هلال محمد جهاد. هذا وللباحث إيزوتسو دراسة أخرى لا تقل أهمية حول المفهومات الأخلاقية في القرآن: Structure of the Ethical Terms in the Koranوقد صدرت عام 1959م، وكذلك قام بترجمتها الدكتور العاكوب وستصدر قريباً عن دار الملتقى بحلب. 12. انظر: عيسى العاكوب، مقدمة الترجمة، ص: 11. 13. انظر: طه جابر العلواني، الوحدة البنائية للقرآن المجيد، ط:1 مكتبة الشروق–القاهرة 2006، ص: 14. 14. انظر: العلواني، م.س ص: 18. 15. يقدم الإمام الشاطبي نموذجاً للوحدة الموضوعية للسورة من خلال سورة المؤمنين التي يراها نازلة في قضية واحدة هي موضوع المكيات من السور، والتي ترجع معانيها إلى أصل واحد هو الدعاء على عبادة الله، انظر: الموافقات، 4/416 وما بعدها، م.س. 16. يستند الدكتور محمد عبد الله دراز إلى الشاطبي في القول بوحدة السورة، ويطبق ذلك على سورة البقرة تحت عنوان (نظام المعاني في سورة البقرة) ضمن كتابه: النبأ العظيم، ط: دار القلم–الكويت 1970، ص: 163. 17. رسالة ماجستير نوقشت في كلية الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية في بيروت، 2006. 18. انظر: عبد الرحمن حللي، الأسماء والكلمات: دراسة مفاهيمية قرآنية، مجلة التجديد، الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، العدد: 19 ، السنة العاشرة، فبراير 2006م. انظر: عبد الرحمن حللي، الكتاب: دراسة مفاهيمية قرآنية، مجلة التجديد، الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، العدد: 21، الجلد الحادي عشر، 2007م.

الدكتور عبد الرحمن حللي

المصدر: arrabita

تحت شعار الارتباط بالأصل والانفتاح على العصر،
نظمت مؤسسة الحاج البشير القرءانية حفلا ختاميا لبرنامج الدراسات الإسلامية الخاص بالفوجين:2024-2025.
وبعد دخول خريجي التعليم العتيق إلى المسرح وسط تهليلات وهتافات الحضور الذي غصت به جنبات القاعة، ابتدأ الحفل بالنشيد الوطني المغربي، أعقبته تلاوة عطرة من آيات الذكر الحكيم تلاها القارئ: عبد الصمد ايت العسري، بعد ذلك تايع الحضور كلمة مدير المؤسسة “الدكتور عبد الفتاح الفريسي”، أكد فيها على أهمية ترسيخ مبادئ العلم والمعرفة في الأمة، كما تقدم بتهانيه الحارة للخريجي ناصحا إياهم بحمل لواء البناء والارتباط بالأصول الفكرية والثوابت العقدية، وتناول بعد ذلك الأستاذ خاليد النويري أستاذ برنامج الدراسات الاسلامية، ذكر فيها بجهود مؤسسة الحاج البشير القرآنية وتفانيها في خدمة المعرفة والعلم.
ثم تابع الحضور باستمتاع وصلة من الأمداح النبوية من أداء: مجموعة الوصال لفنّي المديح والسماع.
ثم استمع الحضور إلى كلمة خريجي فوجي: 24-25 الذي أطلق عليه اسم العلامة الفقيه : محمد أمين الإسماعيلي، قدمتها الطالبة: فوزية هامل، كما تم تكريم ثلاثة من الأساتذة بالمؤسسة وهم:
1.الفقيه: “محمد اليوسفي” خطيب وأستاذ، برنامج الدراسات الإسلامية.
2.المدرّسة: “نجيبة الباهي” محفظة القرءان الكريم ببرنامج التعليم العتيق، برنامج التعليم العتيق.
3.المدرّسة: “مريم البويز مارني” محفظة القرءان الكريم، برنامج الأطفال.
و ثلاثة من الطلبة وهم:
  • عمران الغيام:  برنامج التعليم العتيق للموسم الدّراسي.
  • سندس فاقيهي: برنامج التعليم العتيق، بميزة حسن.
  • عبد الخالق عروى: برنامج التعليم العتيق، بميزة حسن جدا.
وفي الاخير تم توزيع الشهادات التّخرج مع الدّرع للمتفوّقين الثلاثة من كل مستوى والشواهد للجميع من طرف الإدارة والمجلس العلمي والاساتذة.
وفي الختام كان الجمهور على موعد مع كلمة ختامية مع الدعاء.

منذ ستة وعشرين سنة على جلوسه على العرش، ومنذ الخطاب الملكي الأول، ومنذ اللقاء الأول بين الملك محمد السادس وشعبه الوفي، أظهر كلاهما الوفاء والولاء لعقد البيعة الشرعية المتبادل، واجتازا معًا العراقيل والصعوبات، واحتفلا معًا بالإنجازات والانتصارات…

فتلاحم العرش والشعب ليس مادة للاستهلاك الإعلامي، بل هو حقيقة أثبتتها أحداث مختلفة على أرض الواقع، وأرّخت له خطابات ملكية سامية.

جوانب متعددة وكثيرة يمكننا الحديث عنها وإثارتها بمناسبة احتفالاتنا بالذكرى السادسة والعشرين على جلوس الملك محمد السادس على عرش أسلافه المنعمين… إذ لا يمكننا اختزالها في هذا الحدث أو تلك القرارات الاستراتيجية، لكنه قاد بكل تأكيد “ثورات هادئة” قوية وعميقة في كل المجالات وفي كثير من الملفات، أولها مغربية الصحراء، ومبادرة الحكم الذاتي، والعودة للبيت الإفريقي، والبنية التحتية، وفي مجالات القانون والتشريع والحريات والعدالة وحقوق الإنسان، والمفهوم الجديد للسلطة، ومدونة الأسرة، والإنصاف والمصالحة، والتقرير الخمسيني، وإعادة هيكلة الشأن الديني، وأحداث مؤسسات خاصة بمغاربة العالم… وغيرها كثير.

الأشغال والرافعات في كل بقاع المملكة، وفي كل شبر من الوطن، هناك إعادة هيكلة ومشاريع أحلام في الرياضة والصحة والتراث اللامادي جارية التحقيق.

فكان المواطن والوطن هو النقطة الأساسية في أجندة جلالة الملك محمد السادس. كان حاضرًا بكل ثقله المعنوي والدستوري والتاريخي والديني، سواء بصفته رئيسًا للدولة المغربية، أو بصفته أميرًا للمؤمنين، سواء في مشروع إعادة صياغة مدونة الأسرة، أو برامج التنمية المستدامة والتشغيل والصحة والتغطية الاجتماعية والسجل الاجتماعي الموحد، أو في قضايا مغاربة العالم، حيث كان المدافع الأول عن قضاياهم وانتظاراتهم، سواء داخل المغرب أو خارجه.

أو أثناء تقديمه لقراءاته النقدية البنّاءة وتشريحه الموضوعي والواقعي في خطاباته السامية، لأن: “الشأن الاجتماعي يحظى عندي باهتمام وانشغال بالغين، كملك وكإنسان. فمنذ أن توليت العرش، وأنا دائم الإصغاء لنبض المجتمع، وللانتظارات المشروعة للمواطنين، ودائم العمل والأمل، من أجل تحسين ظروفهم…”

ومادام الشيء بالشيء يُذكر، فإن احتفالات سنة 2025 تقتضي منا تسليط الضوء على مفخرات هذه السنة، وأولها توقيع العهد الجديد من الاتفاقيات الاستراتيجية بين المغرب وفرنسا، وزيارة الدولة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب عقب الاعتراف القوي بمغربية الصحراء… وما تلا ذلك من اعترافات وازنة كاعتراف بريطانيا والبرتغال في شهر يوليوز، أو استقبالات ذات أبعاد ودلالات استراتيجية كاستقبال وزراء خارجية الساحل في شهر أبريل 2025.

لكن يبقى القرار الاجتماعي والمجتمعي الأهم خلال سنة 2025 هو إهابة أمير المؤمنين بعدم ذبح أضحية عيد الأضحى، والاكتفاء بالشعائر الأخرى كإقامة صلاة العيد، والقيام بأعمال الإنفاق وصلة الرحم.

فبعد سنوات جفاف عجاف تضرر منها القطيع، وبعد محنة اقتصادية تضررت منها فئات واسعة من المجتمع المغربي، جاءت الإهابة الملكية لرفع الحرج عن العديد من المواطنين في حالة عسر.

لقد كانت الرسالة الملكية ليوم 26 فبراير 2025 بخصوص تلك الإهابة جامعة مانعة، إذ جاءت: “من منطلق الأمانة المنوطة بنا كأمير للمؤمنين، والساهر الأمين على إقامة شعائر الدين، وفق ما تتطلبه الضرورة والمصلحة الشرعية، وما يقتضيه واجب رفع الحرج والضرر وإقامة التيسير…”.

الإجماع الوطني القوي، سواء داخل المغرب أو لدى مغاربة العالم، والانخراط في تنزيل هذه الإهابة الملكية بخصوص عيد الأضحى، زاد من قوة العروة الوثقى بين العرش والشعب.

أعتقد أن انشغال الأجندة الملكية بالتنمية المستدامة والرفاه الاجتماعي، جعل الشغل الشاغل للملك محمد السادس هو المواطن، والبحث عن أمنه وسلامته من خلال تعزيز الأجهزة الأمنية والقضائية، وأمنه الصحي من خلال أحداث منظومة متكاملة للصحة، سواء ما يتعلق بالموارد البشرية أو الصناعات الدوائية، وأمنه الغذائي والطاقي من خلال إحداث منظومة وطنية متكاملة تتعلق بالمخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية، لا سيما الغذائية والصحية والطاقية، والعمل على التحيين المستمر للحاجيات الوطنية.

كل هذه الانشغالات المهمة والاستراتيجيات الاجتماعية، جعلت من المملكة المغربية مملكة مواطِنة، وضعت في صلب أجندتها واهتماماتها المواطن، وجعلت من الملك محمد السادس، نصره الله، الملك المواطن والملك الإنسان.

المصدر : هسبريس

*تعـــزيـــــة*

ببالغ التسليم والرضا بقضاء الله وقدره، تلقينا نبأ وفاة *الحاج الحبيب المهنديز* مؤسس مدرسة الحاج البشير القرآنية وأحد رعاتها.

وبهذه المناسبة الأليمة يتقدم الأستاذ الدكتور عبد الفتاح الفريسي أصالة عن نفسه ونيابة عن أسرة مدرسة الحاج البشير الإدارية والتربوية إلى أسرة الفقيد، بأصدق عبارات التعازي وعظيم المواساة، سائلين الله العلي القدير أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته وعظيم مغفرته، وينعم عليه بعفوه ومغفرته، ويسكنه فسيح جناته، ويكرم نزله ويوسع مدخله.

وإنا لله وإنا إليه راجعون

*عبد الفتاح الفريسي*

مدير عام مؤسسة الحاج البشير

تمارة – المملكة المغربية

مع دخول العشر الأواخر من رمضان كل عام يكثر الجدل والجدال حول مدى مشروعية إخراج زكاة الفطر مالاً، ونظل ندور كل عام في ذات الدائرة وكأننا نبدأ النقاش فيها للمرة الأولى، ويُنبئنا هذا الجدل عن أزمة عميقة الجذور في الأمة؛ فى إدارتها وتعاملها مع الاختلاف في قضايا الفروع، والاختلاف قائم منذ العهد النبوي بين مدرستين: النص والقصد، لكن تعامل الصحابة والسلف والأئمة معه لم يكن كتعاملنا نحن اليوم؛ حيث غدا الاختلاف فى الفروع سبيلا للتفسيق والتشنيع والتبديع والتحزيب والتفريق، بينما كان السابقون شعارهم قول الإمام الشافعي: “ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة”.

ومن تعاجيب الزمن أن ينتقل الخلاف في هذه القضية إلى الساحة الأوروبية، حيث نظام الحياة وإشكالية الحصول على الحبوب وإيصالها إلى المساكين دون خسارة مالية، فضلاً عن دلالات الوقوف عند ظاهر النص لدى المسلم الأوروبي الجديد، أو تفهم العقلية الأوروبية عموماً لفكرة إغناء الفقير يوم العيد بالحبوب دون المال!

على أن المسألة التى نحن بصدد مناقشتها يفترض أن لا يقع بشأنها خلاف؛ لأن منشأ الخلاف فيها راجع إلى طبيعة العصر الذي عاش فيه السابقون من الفقهاء، وللنص على العلة التى هي مناط الحكم، فكانت تلك العلة في عصرهم متحققة بالحبوب والأصناف الواردة في الحديث، بينما صارت اليوم نفس العلة متحققة بالنقود، ولهذا فإن المسألة كاشفة بوضوح عن أزمة العقل الفقهي المعاصر، وعجزه عن التجديد في أضيق الدوائر وهى دائرة استيعاب النص وتنزيل الحكم على الواقع. وفي هذا المقال أتناول باختصار دِلالات استمرار الجدل في المسألة كل عام، ومُرجِّحات القول بدفع القيمة في زكاة الفطر، كل واحدة منهما في أربع نقاط.

أولاً: الدِلالات الأربع للدوران في جدل الحبوب والمال

غياب فقه الاختلاف وقصده


روى البخاري في صحيحه أن النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال للنساء يوم عيد الفطر: «تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ» قال البخاري:” فَلَمْ يَسْتَثْنِ صَدَقَةَ الفَرْضِ مِنْ غَيْرِهَا”

لقد تأسس التشريع الإسلامي على أصول وفروع، شكلَّت الأصول الثوابت الفكرية الجامعة للأمة، والفروع مساحات المرونة والاجتهاد ليُصبح الإسلام صالحاً لكل العصور والظروف والأمكنة، وقد اختلف الصحابة والتابعون في الفروع وقعَّدوا لذلك القواعد منها قاعدة: “لا إنكار في مسائل الاجتهاد”، فلم ينكر أحدٌ على أحد في الفروع، لكنّ الأمة اليوم فى إدارة خلافها في هذه المسألة الجزئية الفرعية الخلافية ينكر بعضُها على بعض، ويسعى كل فريق لإلغاء رأى الآخر بل صار الاختيار الفقهي فيها معقداً للولاء والبراء، والحب والبغض، والاتباع والابتداع، ومعياراً أصيلاً لقياس العلم والتدين، وإذا كان الحال هكذا في خلاف معتبر فكيف سيكون فيما هو أعظم؟ إن الاختلاف في الفروع سبيل مؤدٍ إلى الاجتماع والوحدة، فكيف نجعله سبيلاً للتفرق والتباغض؟

الانشغال بالفروع والجزئيات عن الأصول والكليات

من يراقب حال أمتنا يجدها انجرت إلى البقاء في تلك الجزئيات الخلافية تدور فيها كل عام لا تخرج منها إلى ما هو أهم وأعظم وإلى ما يتصل بوجودها وقِيَمها وهويتها، وأنه وقع تبديد لجهود وطاقات العلماء في تلك الفروع مثل مسألة القيمة، وتهنئة غير المسلمين بأعيادهم، والاحتفال بالمناسبات الدينية. ولم نر اهتماماً واستنفاراً وسيلا من البحوث والفتاوى حول واجب المسلمين في نصرة المظلومين والمعتقلين، أو إقامة العدل ومنع الظلم، أو مقاومة الاستبداد واستدعاء الشورى، أو محو الأمية والفقر، أم أن السنة والاتباع لا يُعرف إلا في إطار العبادات الفردية التى لا تمس الأنظمة المستبدة، أو تعكر عليها مسيرتها في ظلم الشعوب وإفقارها؟

نذير بتعقد أمر التجديد الفقهي، والاجتهاد الإبداعي

عصرنا هو أكثر العصور كثرة للمستجدات وحفزاً للاجتهاد والإبداع الفقهي، ورغم ذلك بقيت قضية تجديد الفقه في دائرة: ماهية التجديد، وكيف نجدد، ومن المجدد؟ لكنَّا لم نلج بعد باب التجديد ولم ننتج فقهاً جديداً لعصرنا، وبقينا في دائرة الاجتهاد الانتقائي الذي يقوم الفقيه فيه بانتقاء رأى فقهي قال به السابقون، ثم يعمل على ترجيحه وتقوية دليله ليكون صالحا للعصر، وهو ما حدث في مسألة القيمة في زكاة الفطر حيث رجَّح عدد من المعاصرين رأى أبي حنيفة ولم يكن اجتهادا إبداعيا لم يسبقهم إليه أحد، ورغم ذلك لم تتقبله الأمة بقبول حسن أو قطاعا كبيرا منها، فكيف سيكون الحال إذا كنا أمام الاجتهاد الإبداعي الإنشائي الذي نتجاوز فيها فقهنا الموروث وإن كان سيتأسس عليه؟ وهذا يضاعف من مسؤولية علماء الأمة ومفكريها أن تبذل جهدها لإيجاد البيئة الحاضنة للاجتهادات الفقهية الجديدة وإلا ستتعقد عملية التجديد الفقهي المنشود.

ظاهرة حضور الشكل والصورة، وغياب الروح والقصد

المسألة التى نحن بصدد النقاش حولها تؤكد ولع الأمة بالصورة والشكل على حساب الروح والجوهر، فترى قطاعا من الناس يتقدمهم مجموعة من العلماء يرون إخراج الحبوب والطعام ولا يرون صحة غيره البتة حتى وإن تيقنوا من أنه ليس في مصلحة الفقير وباعثهم على ذلك هو: اتباع السنة. ومن عجيب ما قرأت رد أحد العلماء على الاحتجاج بتضرر الفقير وخسارته في علمية استبدال الحبوب بالمال قال: لعلها فرصة للفقير أن يتعلم التجارة ويربح!

وتلك قصية تحتاج بحق إلى دراسة اجتماعية ونفسية وسلوكية، فما الذي جعل قطاعاً كبيراً في الأمة بهذه السطحية الضاربة في فهم المسلمين للعبادات والأحكام، ومن المسؤول عن هذا الحال: العلماء، أم مؤسسات التعليم الشرعي، أم أنظمة الحكم؟ كما توجب على المختصين في مقاصد الشريعة ان يراجعوا جهدهم ونتاجهم، وأن يسائلوا أنفسهم لماذا غابت المقاصد وروح الدين عن حياة المسلمين رغم كثرت الكتابات المقاصدية، ومعاهد وأقسام مقاصد الشريعة، وهل يمكننا أن ننقل الفكر المقاصدي إلى السياسة والدعوة ومناحي الحياة إذا كنا قد فشلنا في تفعيلها فيما هو أهم وأوضح وهو دائرة الأحكام؟

ثانياً: المرجحات الأربعة لدفع زكاة الفطر مالاً في عصرنا

1. الترجيح بالنص


المقصد هو أن يشعر الفقير بفرحة العيد مثل الغني، والفقير اليوم يحتاج أن يشتري لأولاده الملابس الجديدة وهدايا العيد، ولا يصح فيها اليوم غير المال، وقد رأينا عشرات المرات المساكين يبيعون الحبوب لنفس التجار الذين اشترى منهم الأغنياء

روى البخاري في صحيحه أن النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال للنساء يوم عيد الفطر: «تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ» قال البخاري:” فَلَمْ يَسْتَثْنِ صَدَقَةَ الفَرْضِ مِنْ غَيْرِهَا”. قال ابن حجر في الفتح: وعلى غير عادة البخاري في مخالفته للأحناف أن اتفق معهم في إخراج صدقة الفطر نقوداً، وفي جواز إخراج العوض في الزكاة وبوب البخاري باباً سماه “باب العرْض”.

2. الترجيح بكثرة القائلين بجواز إخراج القيمة

يُوهم من يتحدث في المسألة أن أبا حنيفة فقط هو من قال بجواز إخراج القيمة في زكاة الفطر، والحقيقة على خلاف ذلك. وهذه قائمة بالفقهاء الذين قالوا بالقيمة أحصاها فضيلة الشيخ الحبيب بن طاهر: *من الصحابة رضوان الله عليهم* عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عبّاس، ومعاذ بن جبل. قال أبو إسحاق السبيعي من الطبقة الوسطى من التابعين، قال: أدركتهم ـ يعني الصحابة ـ وهم يعطون في صدقة رمضان الدّراهم بقيمة الطّعام. (مصنف ابن أبي شيبة: 3/174، وعمدة القارئ: 9/8).

و*من أئمّة التابعين* عمر بن عبد العزيز، فعن قرّة قال: جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة الفطر: نصف صاع عن كلّ إنسان أو قيمته نصف درهم. والحسن البصري، قال: لا بأس أن تعطى الدّراهم في صدقة الفطر، و طاووس بن كيسان، وسفيان الثوري. (مصنف ابن أبي شيبة: 3/174، وموسوعة فقه سفيان الثوري: 473، وفتح الباري: 4/280).

و*من فقهاء المذاهب* أبو عمرو الأوزاعي، وأبو حنيفة النعمان وفقهاء مذهبه، وأحمد بن حنبل في رواية عنه، والإمام البخاري، وشمس الدين الرملي من الشافعية، ومن المالكية: ابن حبيب وأصبغ وابن أبي حازم وابن وهب، وقال الشيخ الصاوي: “الأظهر الإجزاء لأنّه يسهل بالعين سدّ خلّته في ذلك اليوم”. وقد أصدر المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث قرارا بجواز دفع القيمة قرار 4/23، (يونيو) 2013م.

3. الترجيح بالقياس

قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: (خذ الحَبَّ من الحَبِّ، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقر من البقر) وهو صريح في دفع الأعيان، لكن معاذاً رضي الله عنه فهم قصد الزكاة، ولم يتعامل مع النص على أنه تعبدي غير معلل فقال لأهل اليمن: ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس {أنواع من الأقمشة} في الصدقة مكان الشعير والذرة؛ فإنه أهون عليكم وأنفع لمن بالمدينة، وقد أقرَّه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولئن جاز في الزكاة وهى الأعلى جاز من باب أولى في زكاة الفطر وهي الأدني.

4. الترجيح بالمقاصد

شُرعت زكاة الفطر لمقصد منصوص عليه في الحديث الصحيح وهو: طهرة للصائم من الرفث واللغو، وطعمة للفقراء والمساكين، وفي الحديث الضعيف على الأرجح: اغنوهم عن ذل السؤال في هذا اليوم. فالمقصد هو أن يشعر الفقير بفرحة العيد مثل الغني، والفقير اليوم يحتاج أن يشتري لأولاده الملابس الجديدة وهدايا العيد، ولا يصح فيها اليوم غير المال، وقد رأينا عشرات المرات المساكين يبيعون الحبوب لنفس التجار الذين اشترى منهم الأغنياء تلك الأصناف بثمن أقل، فهل شرعت زكاة الفطر لإغناء التجار على حساب الفقراء، وإضاعة وقت الفقير في عملية التبادل والمقايضة؟ وبوسع الفقير أن يشتري حبوبا بالمال دون خسارة، ولا يسعه أن يحصل على المال إن أخذ حبوبا إلا بالخسارة. إن القول بتعبدية الأصناف المذكورة في الحديث يوقعنا كمسلمين في حرج عدم مناسبة الإسلام لكل زمان ومكان. على أن الرافضين لدفع القيمة يلجؤون لتقصيد العبادة فلا يلتزمون بالأصناف الواردة في الحديث، ويقولون بإخراجها من غالب قوت البلد، وهو إقرار بالتعليل والتقصيد، وهو أساس ودليل دفع القيمة، غير أننا قلنا بالخروج عن الأصناف الواردة في الحديث إلى المال، وهم قالوا بالخروج عنها إلى غالب طعام أهل البلد.

حرص السلف الصالح أشد الحرص على الأوقات، خصوصا فيها الأعمال التي حباها الله تعالى بمزيد فضل ونوال على غيرها من القربات؛ من صلاة وصيام وذكر وقيام ونحوها من المبرات، وقد خص الله -سبحانه وتعالى- كل وقت منها بوظيفة من الوظائف التي تؤدى في الشهور والأيام والساعات.

ومن هذه الأيام والليالي؛ ليلة النصف من شعبان ونهارها والتي توافق الأحد 25 فبراير من هذا العام 2024، فقد جاء فيها أحاديث وآثار، في فضل قيامها، وصيام نهارها، فسأذكر في هذا المقال الأحاديث من حيث الصحة والضعف، وأحكام الأعمال الفاضلة فيها مسترشدا بأقوال العلماء الأجلاء الراسخين في العلم.

 

“جاء عنه ﷺ أنه قال: هذه ليلة النصف من ‌شعبان إن الله عز وجل يطلع على عباده في ليلة النصف من ‌شعبان فيغفر للمستغفرين ويرحم المسترحمين ويؤخر أهل الحقد كما هم”

 

أولا: ما جاء في فضائل ليلة النصف من شعبان وأقوال العلماء فيها

قال الحافظ ابن رجب في كتابه النفيس ” لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف”: جاء في الحديث، إن الله تبارك وتعالى ينزل ليلة ‌النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب» خرجه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه، وذكر الترمذي عن البخاري أنه ضعفه.

وخرج ابن ماجه من حديث أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله ليطلع ليلة ‌النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن».

وخرج الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله ليطلع إلى خلقه ليلة ‌النصف من شعبان فيغفر لعباده إلا اثنين: مشاحن، وقاتل نفس». وخرجه ابن حبان في «صحيحه» من حديث معاذ مرفوعا.

ويروى من حديث عثمان بن أبي العاص مرفوعا: «إذا كان ليلة ‌النصف من شعبان نادى مناد: هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه؟ فلا يسأل أحد شيئا إلا أعطيه، إلا زانية بفرجها أو مشركا». وفي الباب أحاديث أخر فيها ضعف.

وجاء عنه ﷺ أنه قال: هذه ليلة النصف من ‌شعبان إن الله عز وجل يطلع على عباده في ليلة النصف من ‌شعبان فيغفر للمستغفرين ويرحم المسترحمين ويؤخر أهل الحقد كما هم. رواه البيهقي من طريق العلاء بن الحارث عنها وقال هذا مرسل جيد يعني أن العلاء لم يسمع من عائشة والله سبحانه أعلم.

وروي عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا كانت ليلة النصف من ‌شعبان فقوموا ليلها وصوموا يومها فإن الله تبارك وتعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا فيقول ألا من مستغفر فأغفر له ألا من مسترزق فأرزقه ألا من مبتلى فأعافيه ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر رواه ابن ماجه.

وقال أبو العباس البوصيري: هذا إسناد فيه ابن أبي سبرة واسمه أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة قال أحمد وابن معين يضع الحديث.

ويروى عن نوف البكالي أن عليا رضي الله عنه خرج ليلة النصف من شعبان فأكثر الخروج فيها، ينظر إلى السماء، فقال: إن داود عليه السلام خرج ذات ليلة في مثل هذه الساعة فنظر إلى السماء، فقال: إن هذه الساعة ما دعا الله أحد إلا أجابه، ولا استغفره أحد في هذه الليلة إلا غفر له، ما لم يكن عشارا أو ساحرا أو شاعرا أو كاهنا..

وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام – كخالد بن معدان ومكحول ولقمان بن عامر وغيرهم – يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها، وقد قيل: إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك؛ فمنهم من قبله منهم ووافقهم على تعظيمها؛ منهم طائفة من عباد أهل البصرة وغيرهم. وأنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز؛ منهم عطاء وابن أبي مليكة، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم، وقالوا: ذلك كله بدعة.

 

 

قال ابن ثوبان: المشاحن هو التارك لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، الطاعن على أمته، السافك دماءهم. وهذه الشحناء -أعني شحناء البدعة- توجب الطعن على جماعة المسلمين

 

ثانيا: حكم صيام النصف من شعبان

 

الحديث عن صيام منتصف شعبان وإحياء ليلته حديث ذو شجون بين أهل العلم قديما وحديثا فمن منكر ومن مجيز، ومرد ذلك كله إلى تجاذب النظر بين الآثار المروية صحة وضعفا من جهة، وبين دراية ودلالة من جهة أخرى، وقد انتهى تحقيق الإمام ابن رجب في هذا المجلس إلى الأمور الآتية: القول في حديث “إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى رمضان” رواية ودلالة.

أما من حيث الرواية: وإنه حديث منكر، وبه قال أكبر أئمة المحدثين، منهم الرحمن بن المهدي والإمام أحمد وأبو زرعة الرازي والأثرم. ب – وأما من حيث دلالته والعمل به:

  1. قال الطحاوي: هو منسوخ، وحكى الإجماع على ترك العمل به، وأكثر العلماء على أنه لا يعمل به.
  2. وقد أخذ آخرون منهم الشافعي وأصحابه، ونهو عن ابتداء التطوع بالصيام بعد نصف شعبان لمن ليس له عادة. ثم اختلفوا في علة النهي:
  • فمنهم من قال: خشية أن يزاد في شهر رمضان ما ليس منه، وهذا بعيد جدا فيما بعد النصف، وإنما يحتمل هذا في التقديم بيوم أو يومين.
  • ومنهم من قال: النهي للتقوي على صيام رمضان شفقة أن يضعفه ذلك عن صيام رمضان، ويرد هذا صيام النبي صلى الله عليه وسلم شعبان كله أو أكثره ووصله برمضان هذا كله بالصيام بعد نصف شعبان. – وصيام يوم النصف من شعبان فغير منهي عنه فإنه من جملة أيام البيض الغر المندوب إلى صيامها من كل شهر

قال الشيخ فضل مراد: “… ومن هذا صوم النصف من شعبان من غير الجزم بسنيتها للنبي صلى الله عليه وسلم وأنت ترى أن المسألة ليس فيها نص يحرم على وجه الخصوص ولا ينهى ولا يأمر على وجه الخصوص ولا يندب، فدخلت في عموم العمل الصالح وعموم فضل الصوم خاصة. وقد وردت فيها سبعة أحاديث لا يخلو أي منها من تضعيف؛ وهو ما جعل البعض يحسنها باعتبار المجموع”.

ثالثا: صفة إحياء ليلة النصف من شعبان لمن قال بذلك من العلماء

قال الإمام ابن رجب رحمه الله: واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين:

أحدهما: أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد، كان خالد بن معدان ولقمان بن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم ويتبخرون ويكتحلون ويقومون في المسجد ليلتهم تلك، ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك، وقال في قيامها في المساجد جماعة: ليس ذلك ببدعة، نقله عنه حرب الكرماني في مسائله.

والثاني: أنه يكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة والقصص والدعاء ولا يكره أن يصلي الرجل فيها بخاصة نفسه، وهذا قول الأزواعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم، وهذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى.

 

فسر الأوزاعي هذه الشحناء المانعة بالذي في قلبه شحناء لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ريب أن هذه الشحناء أعظم جرما من مشاحنة الأقران بعضهم بعضا

 

رابعا: الأعمال التي تستحب والأعمال التي تكره أو تحرم في ليلة النصف

ويتعين على المسلم أن يجتنب الذنوب التي تمنع من المغفرة وقبول الدعاء في تلك الليلة. وقد روي أنها: الشرك، وقتل النفس، والزنا؛ وهذه الثلاثة أعظم الذنوب عند الله، كما في حديث ابن مسعود المتفق على صحته، «أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك. قال: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك. قال: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك فأنزل الله تصديق ذلك {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون} الآية [الفرقان: 68]» ومن الذنوب المانعة من المغفرة أيضا: الشحناء، وهي حقد المسلم على أخيه بغضا له؛ لهوى نفسه، وذلك يمنع أيضا من المغفرة في أكثر أوقات المغفرة والرحمة؛ كما في «صحيح مسلم» عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا:

«تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين والخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا، إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا».

وقد فسر الأوزاعي هذه الشحناء المانعة بالذي في قلبه شحناء لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ريب أن هذه الشحناء أعظم جرما من مشاحنة الأقران بعضهم بعضا. وعن الأوزاعي أنه قال: المشاحن كل صاحب بدعة فارق عليها الأمة.

وكذا قال ابن ثوبان: المشاحن هو التارك لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، الطاعن على أمته، السافك دماءهم. وهذه الشحناء – أعني شحناء البدعة – توجب الطعن على جماعة المسلمين، واستحلال دمائهم وأموالهم وأعراضهم، كبدع الخوارج والروافض ونحوهم.

فأفضل الأعمال: سلامة الصدر من أنواع الشحناء كلها، وأفضلها السلامة من شحناء أهل الأهواء والبدع التي تقتضي الطعن على سلف الأمة، وبغضهم والحقد عليهم، واعتقاد تكفيرهم أو تبديعهم وتضليلهم؛ ثم يلي ذلك سلامة القلب من الشحناء لعموم المؤمنين، وإرادة الخير لهم، ونصيحتهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه وقد وصف الله تعالى المؤمنين عموما بأنهم يقولون:{ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم} [الحشر: 10].

 

روي عن عكرمة وغيره من المفسرين في قوله تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم} [الدخان: 4]. أنها ليلة النصف من شعبان. والجمهور على أنها ليلة القدر، وهو الصحيح

 

قال بعض السلف: أفضل الأعمال سلامة الصدور، وسخاوة النفوس، والنصيحة للأمة؛ وبهذه الخصال بلغ من بلغ، لا بكثرة الاجتهاد في الصوم والصلاة.

ويجدر التنبيه، أنه لا يوجد في ليلة النصف من شعبان صلاة تسمى صلاة البراءة، وبعضهم يسميها صلاة الألفية الألفية، لأنهم يقرؤون فيها سور الإخلاص ألف مرة في مائة ركعة، وهي صلاة مخترعة بكيفية مخترعة لم يأذن بها الله، ولم يرشدنا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ابتدعها قوم، ورووا في ذلك حديث مكذوب، واستحسنها بعض الجهال، ممن لا يعرفون السنن، ويقبلون على البدع.

قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: الصلاة المعروفة بصلاة ‌الرغائب وهي ثنتى عشرة ركعة تصلى بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة في رجب وصلاة ليلة نصف شعبان مائة ركعة وهاتان الصلاتان بدعتان ومنكران قبيحتان ولا يغتر بذكرهما في كتاب قوت القلوب وإحياء علوم الدين ولا بالحديث المذكور فيهما فإن كل ذلك باطل ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة فصنف ورقات في استحبابهما فإنه غالط في ذلك وقد صنف الشيخ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن اسمعيل المقدسي كتابا نفيسا في إبطالهما فأحسن فيه وأجاد رحمه الله.

وسئل ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى: هل تجوز صلاة الرغائب والبراءة جماعة أم لا؟

فأجاب بقوله: أما صلاة ‌الرغائب ‌فإنها ‌كالصلاة المعروفة ليلة النصف من شعبان بدعتان قبيحتان مذمومتان وحديثهما موضوع فيكره فعلهما فرادى وجماعة وأما صلاة البراءة فإن أريد بها ما ينقل عن كثير من أهل اليمن من صلاة المكتوبات الخمس بعد آخر جمعة في رمضان معتقدين أنها تكفر ما وقع في جملة السنة من التهاون في صلاتها فهي محرمة شديدة التحريم يجب منعهم منها لأمور منها أنه تحرم إعادة الصلاة بعد خروج وقتها ولو في جماعة وكذا في وقتها بلا جماعة ولا سبب يقتضي ذلك ومنها أن ذلك صار سببا لتهاون العامة في أداء الفرائض لاعتقادهم أن فعلها على تلك الكيفية يكفر عنهم ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

وقال البهوتي الحنبلي: (وأما صلاة الرغائب، والصلاة الألفية ليلة نصف شعبان، فبدعة لا أصل لهما، قاله الشيخ. وقال: وأما ليلة النصف من شعبان ففيها فضل، وكان في السلف من يصلي فيها، لكن الاجتماع فيها لإحيائها في المساجد بدعة.

من قال بأن الليلة التي تكتب فيها الآجال وتقسم فيها الأرزاق، ليس لديه دليل على ذلك، وأن القرآن يؤكد أن ليلة القدر التي نزل فيها القرآن هي الليلة التي تكتب فيها الآجال، وتقسم فيها الأرزاق، ومن قال أنها ليلة النصف من شعبان فهو غالط، والحق في خلاف قوله

 

خامسا: هل ليلة النصف من شعبان هي الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم؟

روي عن عكرمة وغيره من المفسرين في قوله تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم} [الدخان: 4]. أنها ليلة النصف من شعبان. والجمهور على أنها ليلة القدر، وهو الصحيح.

وقال بعضهم لفرط تعظيمه لليلة النصف من شعبان: إنها الليلة المباركة التي أنزل فيها القرآن، وأنها يفرق فيها كل أمر حكيم، وجعل ذلك تفسيرا لقوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين} {فيها يفرق كل أمر حكيم} وهذا من الخطأ البين، ومن تحريف القرآن عن مواضعه، فإن المراد بالليلة المباركة في الآية ليلة القدر، لقوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} وليلة القدر في شهر رمضان للأحاديث الواردة في ذلك؛ لقوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} .

مما سبق من أقوال العلماء نعلم أن من قال بأن الليلة التي تكتب فيها الآجال وتقسم فيها الأرزاق، ليس لديه دليل على ذلك، وأن القرآن يؤكد أن ليلة القدر التي نزل فيها القرآن هي الليلة التي تكتب فيها الآجال، وتقسم فيها الأرزاق، ومن قال أنها ليلة النصف من شعبان فهو غالط، والحق في خلاف قوله.

 

المرجع:

  • أعتمد المقال في كثير من مادته على كتاب: ” لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف”، للحافظ ابن رجب الحنبلي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1428ه/2007م.
  • الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، عبد العظيم المنذري، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1417ه.
  • الفتاوى الفقهية الكبرى، ابن حجر الهيتمي، الكتبة الإسلامية، الطبعة الأولى، بدون تاريخ.
  • كشاف القناع عن الإقناع، منصور بن يونس الحنبلي، وزارة العدل بالمملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1421ه.
  • المجموع شرح المهذب، يحيى بن شرف الدين النووي، مطبعة التضامن الأخوي – القاهرة، 1347ه.
  • مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه، أبو العباس البوصيري الكناني، دار العربية – بيروت، الطبعة الثانية، 1403ه.
  • معارف الإنعام وفضل الشهور والأيام، يوسف بن حسن ابن عبد الهادي الصالحي، المشهور بابن المبرد، دار النوادر – سوريا، الطبعة الأولى، 1432ه.

 

عزاؤنا واحد
ببالغ الأسى والتسليم لأمر الله قضائه تلقينا خبر وفاة عميد الأدب المغربي أستاذنا الدكتور عباس عبد الله الجراري، الأديب والمفكر والأكاديمي الكبير، وهذه ترجمة يسيرة للفقيد.
[المولد والتكوين:]
ولد عباس الجراري يوم 15 فبراير/شباط 1937 في الرباط، لأسرة علمية، وتلقى تعليمه الأولي في الكتّاب، ثم بمدرسة الأعيان وثانوية الليمون ثم ثانوية مولاي يوسف، وتلقى قدرا كبيرا من العلوم الإسلامية على يد والده العلامة عبد الله الجراري في البيت، والتحق بعد ذلك بجامعة القاهرة في مصر حيث حصل على البكالوريا عام 1957 والإجازة في اللغة العربية وآدابها عام 1961، والماجستير عام 1965، ودكتوراه الدولة في الآداب عام 1969.
[الوظائف والمسؤوليات:]
تولى عباس الجراري وظائف كثيرة ومناصب عديدة، بالسلك الدبلوماسي في القاهرة عام 1962، والتدريس بالجامعة المغربية عام 1966، وانتخب رئيسا لشعبة اللغة العربية وآدابها عند تأسيسها في كلية الرباط عام 1973، وتم تعيينه مديرا للدراسات الجامعية العليا لتكوين أطر التدريس في الجامعة عام 1982، وعين عام 1998 ورئيسا لوحدة أدب الغرب الإسلامي للدراسات العليا.
وفي سنة 1979 تم تعيينه أستاذا في “المدرسة المولوية”، فدرّس الفكر الإسلامي، والتربية الوطنية، والتربية الإسلامية، والنصوص الأدبية.
كما شغل عضوية أكاديمية المملكة المغربية ورئيسا للمجلس العلمي الإقليمي لمدينة الرباط عام 1983، وعينه الملك الحسن الثاني في الديوان الملكي في يناير/كانون الثاني 1999، ورقاه الملك محمد السادس لمنصب مستشار ملكي في 29 مارس/آذار 2000.
بالإضافة إلى مناصبه المذكورة وغير المذكورة، حصل الجراري على عضوية عدد من المجمعات العلمية والاتحادات والهيئات الاستشارية المحلية والعربية والدولية.
[المؤلفات:]
ألف الجراري عشرات الكتب التي اهتمت بالدراسات المغربية والتراث الشعبي والأدب العربي الإسلامي، وكذلك الدراسات الأندلسية وقضايا الفكر والثقافة تجاوزت أزيد من ثمانين كتابا.
[الجوائز والأوسمة:]
كرمته جهات ومؤسسات علمية وجامعية مغربية وعربية ودولية، وحصل على حوالي 24 وساما، من مختلف الجهات الوطنية والدولية والأكاديمية.
رحم الله الدكتور عباس الجراري وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان وانا لله وإنا إليه راجعون.

للمثل مكانة عظيمة وأهمية كبيرة عند العرب قبل الإسلام وبعده، فهو حكمتها، ودليل من أدلة بيانها وفصاحتها، وضرب من ضروب بديعها، وجوامع كلمها، وله تأثير قوي على النفوس الضالة، والقلوب النافرة، بما يقدمه من إعانة على الفهم، واستثارة للذهن، وتقريب للمعاني، وإبراز للحقائق، في صور بديعة، وألفاظ بليغة، لهذا دأب العلماء والأدباء في يتتبعون ما جاء في القرآن الكريم من أمثال العرب وحكمه، وألفوا في ذلك المؤلفات العديدة، وتنافسوا في ذلك نظرا لما للمثل من فوائد جليلة.

ويأتي كتاب: “الأمثال الكامنة في القرآن الكريم”  للحسين بن الفضل (ت282هـ) في رأٍ قائمة الكتب المؤلفة في هذا الباب، وقد رام صاحبه من خلاله أن يجمع بين الآيات القرآنية وأمثال العرب، يسأل عن المثل العربي ثم يجيب عن ذلك بما يوافقه من آي القرآن الكريم.

ومما جاء في الكتاب، أن أحدهم قال للحسين بن الفضل: إنك تخرج أمثال العرب والعجم من القرآن،فهل تجد في كتاب الله : خير الأمور أوسطها؟

قال: نعم ؛ في أربعة مواضع :

1) ” لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك “.

2) ” والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما “.

3) ” ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط”.

4) ” ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا “.

فقيل: فهل تجد: من جهل شيئا عاداه ؟ قال: نعم في موضعين:

1) “بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه”.

2) “وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم”.

فقيل : فهل تجد : احذر شر من أحسنت إليه؟ قال : نعم.. “وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله “.

قيل : فهل تجد : ليس الخبر كالعيان ؟ قال: نعم .. “أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي “.

قيل : فهل تجد : في الحركة بركة ؟ قال : نعم .. “ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة “.

قيل : فهل تجد: كما تدين تدان؟ قال: نعم .. “من يعمل سوءا يجز به “.

قيل : فهل تجد : حين تلقى ندري ؟ قال : نعم.. “وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا “.

قيل : فهل تجد : لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ؟ قال : نعم .. “هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل “.

قيل : فهل تجد : من أعان ظالما سلط عليه ؟ قال: نعم .. “كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير “.

قيل: فهل تجد فيه : لا تلد الحية إلا حية ؟ قال: نعم .. “ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا “.

قيل: فهل تجد فيه : للحيطان آذان ؟ قال: نعم ..: “وفيكم سماعون لهم “.

قيل: فهل تجد فيه :الحلال لا يأتيك إلا قوتا، والحرام لا يأتيك إلا جزافا ؟ قال: نعم .. ” إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم “.



بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

نظرا لأهمية علم السلوك والأخلاق في تقويم سلوك الإنسان المؤمن، والسير به إلى بر الأمان، لينجو في الدنيا والآخرة، فقد اهتم علماء المسلمين بعلم التصوف والتزكية باعتباره علما يكتسب المؤمن معه حقيقة الصدق في التوجه إلى الله.

ومن بين أهم ما ألف في موضوع التصوف السني رسالة الإمام أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري الشافعي المتوفى سنة 465 هـ، وهي على أربعة وخمسين باباً وثلاثة فصول، وهذه خُلاصة ” تفسير ألفاظ الطائفة الصوفيّة ” المذكورة في الرسالة القُشَيْرِيّة، للإمام الأستاذ أبي القاسم القُشَيْريّ (ت 465 ه) رحمه الله.

 

  • (الوَقت) الوَقت: ما يَشتغلُ به العبدُ في الآن، ليس في الماضي ولا في المستقبل.
  • (الحال والمَقام) الحال : معنى يَرِدُ على القلب من غير تكلُّف، مثل حال القَبْض أو البَسْط أو الشَّوق أو الانزعاج أو الهَيبة أو غير ذلك، والمَقام : ما يَبلغه العبدُ من مستوى الآداب، بِسبيلِ التكلُّف والمُجاهَدة، مثل مَقام القَناعة أو التَّوكُّل أو التَّوبة أو الإنابة أو الوَرَع أو الزُّهْد أو غير ذلك، يقولون: الأحْوال مَواهِب والمَقامات مَكاسِب.
  • (القَبْض والبَسْط) القَبْض : حالُ خَوْفٍ آنٍ، والبَسْط : حالُ رجاءٍ آنٍ، وأحوالُ القَبْض والبَسْط تتفاوت حسب الوارِدات على القلوب.
  • (الهَيْبة والأُنْس) الهَيْبة : حال أعظم من القَبْض. وحَقُّها الغَيْبة عمّا سوى الله، والأُنْس : حال أعظم من البَسْط. وحَقُّه الصَّحْو بِحقّ الله، والنّاسُ تَتفاوتُ أحوالُهم في الهَيْبة والأُنْس.
  • (التّواجُد والوَجْد والوُجود) التّواجُد : استدعاءُ الوَجْدِ بِتَكلّف، والوَجْد أو المَوجِدة : ما يَرِدُ على القلب بِلا تَكلّف، والوُجود : ظُهور سُلطان الحقيقة في القلب بعد خُمود البشريّة، وحَقُّه بَقاء العبد بِالحقّ حالَ الصَّحْو، وفناؤُه بِالحقّ حالَ المَحْو، قالوا: المَواجيد ثَمرات الأوراد، أو: الوارِدات ثَمرات الأوراد، وقالوا: مَنْ لا وِرْدَ له بِظاهرِه لا وارِدَ له في سَرائرِه، وقالوا: مَن ازدادت وظائفُه ازدادت مِنَ الله لَطائفُه، وقالوا: المَواجيد ثَمرات العِبادات الباطِنة، والحَلاوات ثَمرات العِبادات الظّاهِرة، ومنهم مَنْ يَجعلُ المَواجيد تُرادِف الحَلاوات.
  • (الجَمْع والتَّفْرِقة) الجَمْع : حالُ شُهود العبد لِأفعالِ الله، التَّفْرِقة أو الفَرْق : حالُ شُهود العبد لِأفعالِه، وجَمْعُ الجَمْعِ يُرادِفُ عندهم الوُجود.
  • (الفَناء والبَقاء) الفَناء : تَرْك لِلأعمال المذمومة، والبَقاء : قِيام بِالأعمال المحمودة، يَقولون: فَنِيَ عَنْ شَهوتِه وبَقِيَ بِعُبوديّتِه، ويَقولون: فَنِيَ عَنْ سوءِ الخُلق وبَقِيَ بِالفُتُوّة والصِّدْق، ويَقولون: فَنِيَ عَن الخَلْق وبَقِيَ بِالحقّ، وهذا عندهم درجات: أعلاها يُرادِف الوُجود أو جَمْع الجَمع المذكورَيْن سابِقا.
  • (الغَيْبة والحُضور) الغَيْبة : غَيْبةُ القَلْبِ عَنْ عِلْمِ ما يَجري مِن أحوالِ الخَلْقِ، لِاشتغالِ الحِسِّ بِما وَرَدَ عليه، والحُضور : حُضورُ القَلْبِ بِالحقّ، أَيْ بِذِكْرِ الله، وعلى قَدْرِ هذه الغَيْبةِ يكونُ هذا الحُضور، قالوا: قد تَزدادُ غَيبةُ العبدِ عن إحساسِه بِنفسِه وغيرِه، بِواردٍ مِنْ تَذكّرِ ثَواب أو تَفكّر في عِقاب، حتّى تَصيرَ الغَيْبةُ إلى غَشْية، وقالوا: قد تكونُ الغَيْبةُ عن الإحساسِ بِالنّفسِ لِمَعنى يُلْهمه اللهُ لِعَبْدِه، وقالوا: غابَ عَن الخَلْقِ وحَضَرَ بِالحَقِّ.
  • (الصَّحْو والسُّكْر) الصَّحْو : رُجوع إلى الإحساس بعد الغَيبة. والسُّكْر : غَيبة بِوارِد قويّ في حالِ البَسْط، قالوا: مَنْ كان سُكْرُه بِحقّ كان صَحْوُه بِحقّ. وقالوا: مَنْ كان مُحِقّا في حالِه كان مَحفوظا في سُكْره، والسُّكْر عندهم درجات.
  • (المُعامَلات والمُنازَلات والمُواصَلات) المُعامَلات : أعمال العبادة الظاهر، المُنازَلات : أعمال العبادة الباطنة، المُواصَلات : دَوام صفاء المُعامَلات والمُنازَلات.
  • (الذَّوْق والشّرب والرِّيّ) الذَّوْق : ثمرة صفاء المعاملات الظاهرة، وحَقُّه التّساكُر. الشّرب : ثمرة صفاء المنازلات الباطنة، وحَقُّه السُّكْر. الرِّيّ : ثمرة دوام صفاء الظاهر والباطن، وحَقُّه الصّحْو بِالحقّ والفَناء عن كلّ حَظّ، قالوا: مَنْ صفا سِرُّه لمْ يَتكدّرْ عليه الشّرب.
  • (المَحْو والإثْبات) المَحْو : رفع أوصاف العادة الذميمة، بِحقّ سَتر الله. الإثْبات : إقامة أحكام العبادة الحميدة، بِحقّ إظهار الله. والمَحْو ثلاثة أنواع: مَحْو الزّلّة عن الظواهر، ومَحْو الغفلة عن الضمائر، ومَحْو العلّة عن السّرائر. وفيه إثبات المُعامَلات، والمُنازَلات، والمُواصَلات. والمَحْق فوق المَحْو، لأنّه لا يُبْقي أَثَرا.
  • (السَّتر والتَجلّي) السَّتر : حضور القلب دون مُكاشفة أو مُشاهدة. وحقّه النظر في الآيات. التّجلّي : ظهور أنوار المُكاشفة أو المُشاهدة في القلب. وحقّه الخشوع.
  • (المُحاضَرة والمُكاشَفة والمُشاهَدة) المُحاضَرة : حضور القلب بالذّكر والعقل، دون مكاشفة أو مشاهدة. وحقّها النظر في الآيات. المُكاشَفة : حضور القلب بِنعت البيان، دون افتقار إلى النظر في الآيات. وحقّها العِلم والبَسط والدّنوّ. وأما المَشاهَدة : وجود الحقّ من غير بقاء تُهمة. وحقّها الوجود أو جمع الجمع أو الفناء أو المَحو.
  • (اللّوائِح واللّوامِع والطّوالِع) اللّوائِح : ما يظهر من الكشف خلال المحاضرة (السّتر)، مرّة سريعا، كالبرق. اللّوامِع : ما يظهر من الكشف خلال المحاضرة (السّتر)، مرّة ثمّ مرّة، كالنجم. الطّوالِع : ما يظهر من الكشف خلال المحاضرة (السّتر)، مدّة بازغا، كالشمس.
  • (البَوادِه والهَواجِم) البَوادِه : ما يَرِدُ على القلب فجأة، وارِد فرح أو قرح. الهَواجِم : ما يَرِدُ على القلب جملة بِقوّة الوقت (حال الانشغال)، من غير تصنّع. ساداتُ الوَقت : من لا تغيّرهم البَوادِه والهَواجِم.
  • (التّلْوين والتّمْكين) التّلْوين : تغيّر العبد من حال إلى حال، زيادة أو نقصانا. التّمْكين : الثبات على الحال، قالوا: وأعلى التّمْكين: حال الوصول والاتّصال بِحال الحقّ. وأَمارَتُه انخِناس أحكام البشريّة واستيلاء سلطان الحقيقة. وهو بذلك قد يُرادِف المَحو والوجود وجمع الجمع والفناء.
  • (القُرب والبُعد) القُرب : نوعان: قرب بالفرائض، ثمّ قرب بالنوافل. البُعد : نوعان: بعد عن التوفيق (عن الطاعة)، وبعد عن التحقيق (عن العِرفان). ومن ثمرات القُرب: الاتّقاء، ثمّ الوَفاء، ثمّ الحَياء، وقُرب الحقّ سبحانه من العبد ثلاثة أنواع: من الناس عامّة بِالعِلْم والقدرة، ومن المؤمنين باللطف والنصرة، ومن أوليائه بخصائص التّأنيس والتّحبيب والتّفهيم والتّأييد. وقُربه سبحانه يوم القيامة: بستر الذنوب، والإذن بالنّظر إليه. قالوا: رؤية القُرْب حِجابٌ عن القُرب.
  • (الشّريعة والحَقيقة) الشّريعة : قيامٌ بما أَمَرَ (العبودية). والحَقيقة : شُهود لما قضى وقَدّر (الربوبية). والشريعة حقيقة لأنّ الشرائع حُقّت بأمر الله، والحقيقة شريعة لأنّ المعارف شُرعت بأمر الله.
  • (النَّفَس) فالنّفَس: تَرويح القلوب بِلطائف الغيوب. ومَحلّه السّريرة، وهو أرقى من الحال، والحال أرقى من الوقت، قالوا: أفضلُ العبادات عَدّ الأنفاس مع الله تعالى.
  • (الخاطِر والوارِد والشاهِد) الخاطِر : خِطاب يَرِدُ على الضمائر. وهو أربعة أنواع: الهاجِس: من النّفس. وهو مِلحاح، والوسواس: من الشيطان. وهو رَواح. (إلى غيره) والإلهام: من المَلَك. قد يُخالفه العبد، وخاطِر الحقّ: من الله. لا يُخالفه العبد، قالوا: كلّ خاطِر لا يَشهد له ظاهِر فهو باطل، وقالوا: مَنْ كان أكلُه من الحرام، لمْ يُفرّق بين الوسوسة والإلهام، والروح لا تُخاطِب. والوارِد نوعان: وارِد خاطِر، ووارِد حال، وارِد الخاطِر: ما يَرِد على القلوب من الخواطر المحمودة، وارِد الحال: ما يرد على القلوب من أحوال: خوف، رجاء، قَبْض، بَسْط. فالوارِدات أعمّ من الخواطِر من جهة الأحوال، والخواطِر أعمّ من الوارِدات من جهة الخواطِر المذمومة، والشاهِد : ما كان حاضرَ قلب العبد بِالذّكر والعقل. يُقال: فلان بِشاهد العِلم، فلان بِشاهد الوَجْد …
  • (اليَقين وعِلم اليَقين وعَين اليَقين وحقّ اليَقين) اليَقين : العِلم دونَ رَيْب، عِلم اليَقين : هو اليَقين، بِشرط البُرهان، عَين اليَقين : هو اليَقين، بِشرط العِيان، حقّ اليَقين : هو اليَقين، بِشرط العِرفان/ بِشرط الإيمان.
  • (القَلْب والنّفْس والرُّوح والسِّرّ) tالقَلْب : مَحلّ المَعار، والنّفْس : مَحلّ الأوصاف المذمومة. مثل: الكِبْر والحَسد، وأما الرُّوح : مَحلّ الأوصاف المحمودة. مثل: المحبّة، والألفة، وأما السِّرّ : مَحلّ المُشاهدة. ويُطلَق على ما يكون خفيّا بين العبد وربّه. قالوا: السِّرّ ألطف من الرُّوح، والرُّوح أشرف من القلْب، ويقولون: الأسرار مُعْتَقة عن رِقّ الأغيار، ويقولون: صُدور الأحرار قُبور الأسرار، ويقولون: السّرّ ما لَك عليه إشراف، وسِرّ السّرّ ما اطّلع عليه الحقّ وحده سُبحانه.

والحمد لله ربّ العالمين.

أسامة بن محمد الكيحل
1444 هـ – 2023 م
تمارة، المغرب.